إن مقاربة القضايا الاجتماعية فكريا هو نقاش صحي ومطلوب لسبب بسيط هو تقريب المفاهيم وخلق حوار أفقي بين مختلف المتدخلين من الساكنة ورجال القانون. هذا الحوار الذي يجب أن لا يغيب فيه المواطن وتكون بذلك حقوقه عرضة للتصدير و الاستهداف. ولما كانت الأرض أحد الملفات الشائكة التي لم يجد المشرع المغربي طريقا لتسوية وضعياتها المختلفة (أراضي سلالية، اراضي الجماعات، أراضي الشياع .....) من خلال سن الظهائر والمراسيم والقوانين من قبيل " التحديد الغابوي" و " التحفيظ الجماعي" وما يرتبط بهما من مساطر إدارية وقانونية، فإن المجتمع المدني - ممثلا في الجمعيات التالية: جمعية تيللي ن أدرار الثقافية و الاجتماعية ؛ جمعية أسديم للتنمية و التعاون؛ جمعية سكان جبال العالم فرع أشتوكن أيت باها - حاول قدر الامكان أن يساهم أولا في عرض الإشكاليات التي تشوب هذه القوانين قصد اصلاحها وتداركها أو تغييرها؛ وثانيا في تقريب القضايا التي تحول دون التمتع بحق امتلاك الأرض المتوارثة أبا عن جد و ثالثا العمل على توعية الساكنة حتى تتضح الحقوق من الواجبات.
من هذا المنطلق إنعقد بالفضاء البلدي للثقافة و الفنون بمركزأيت باها يوم الأحد 22شتنبر 2019 ندوة حول موضوع
" التحفيظ الجماعي"
و التي أطرها أستاذان من ميدان القانون، يتعلق الأمر بالأستاذ الخضر أوفاجة محامي بهيىة أكادير وناشط حقوقي و الأستاذ أحمد يحيا، خبير قانوني متخصص في التنمية المجالية و الاقتصاد التضامني.
هذه الندوة حاولت أن تجيب حول الأسئلة التالية :
ما هو التحفيظ الجماعي؟ هل التحفيظ الجماعي في مصلحة السكان؟ ما هي الفلسفة العامة لهذا التحفيظ وما هي الأليات التي يقدمها؟ ما هي الأبعاد الخفية لهذا التحفيظ في ظل الترامي المستمر على أراضي القبائل من طرف بعض المؤسسات( مندوبية المياه و الغابات)؟ هل يشكل هذا التحفيظ الجماعي حلا جذريا أم مؤقتا لمعضلة تمليك الأراضي؟ إلى أي مدى يمكن للمجتمع المدني الترافع حول هذا الملف وما هو البديل الذي يقدمه؟ ما السبيل إلى فهم سياسة الدولة بخصوص أراضي القبائل في ظل ترسانة الظهائر و القوانين التي تجهز على مكتسبات الساكنة و الملاك الأصليين؟
في مداخلته اعتبر الأستاذ الخضر أوفاجة أن مشاكل الأرض مرتبطة بالدولة التي أخذت الأراضي من الأهالي والفلاحين بالاعتماد على مجموعة من القوانين الساعية إلى التقنين و التصفية واعتبر ذلك صيغة أجنبية بحكم السياق الاستعماري لتلك القوانين.
في هذا السياق اعتبر أن السكان لهم الأسبقية على القانون المحدَث الذي صادر حق الساكنة في الملكية و الأرض. هذا القانون الذي يرفع شعار تحفيظ الملك الغابوي.. ويستند على مجموعة من الظهائر منها ما بني على القرينة الغابوية التي تعتبر الأراضي التي تتواجد بها الأشجار الطبيعية كالأركان و الصفصاف وغيرها أرضا غابوية. الاشكال المطروح، يورد الأستاذ المتدخل، يكمن في نية الدولة في تجميع مجموعة من الأراضي تسميها غابوية، هذه الأراضي ستخضع مستقبلا لضرورة اقتصادية المتحكم فيها هو المتوفر على حق الملكية.
بعد هذه التوطئة التي لامست اشكاليات القوانين المرتبطة بالأرض، وخاصة تلك القوانين و الظهائر التي سنت من طرف المحتل الفرنسي وفرضت بآلياته العسكرية التي ارتكبت مجازر رهيبة في حق أجدادنا الذين قاوموها، وبالتالي فهذه القوانين مجردة من أية شرعية ويتخللها الكثير من الاجحاف؛ انتقل الاستاذ المحاضر إلى مفهوم التحديد الإداري الذي فصل في كل مراحله وما يقدمه من ايجابيات و سلبيات. التحديد الإداري في كنهه يسعى إلى حماية أملاك الدولة الخاصة، ويفتتح بمرسوم يوقع من طرف رئيس الحكومة و ينتهي بمرسوم من طرف نفس المسؤول الحكومي. بين هذين المرسومين يمكن القيام بتعرضات حول التحديد الاداري من طرف الساكنة. هذا التعرض الذي أسهب فيه الأستاذ الخضر أوفاجة الشرح والخطوات التي يجب اتخاذها. لكن أغلب عمليات التحديد الاداري تقام سرا في غياب وسائل الاعلام وإخبار السكان مما يضطر في حالات معزولة بعض رؤساء الجماعات ورجال السلطة إلى القيام بمهمة الاخبار الشيء الذي ينتج عنه تعرضات لدى القيادة أولا وبالمحافظة العقارية ثانيا، قبل أن يحال الملف على المحاكم.
فيما يخص التحفيظ الجماعي أورد الأستاذ أن هذا القانون أوجد أصلا كوسيلة من وسائل تجميع الأراضي حيث استفاد منه أصحاب الضيعات الفلاحية في حين الأفراد لا يلجؤون إليه لأنه مكلف ماديا.
التحفيظ الجماعي جاء كحل من الدولة، يوضح الأستاذ، متضمنا لبعض الإيجابيات كالمجانية والسهولة في الحصول على الشهادة الادارية التي تخول عقد الاستمرار و التقليل من النزاعات و الخصومات. بالرغم من هذه الايجابيات فهذا القانون تعتريه خروقات على مستوى التطبيق و التفعيل.
المداخلة الثانية استهلها الخبير القانوني المتخصص في التنمية المجالية و الاقتصاد التضامني الأستاذ أحمد يحيا بقراءة تاريخية وسياسية للظهير المنظم للتحفيظ الجماعي ( ظهير 25 يوليوز1969) ؛ واعتبره ظهيرا استثنائيا لفترة سياسية استثنائية في تاريخ المغرب المعاصر على اعتبار أن سياقه التاريخي المتسم بالصراع السياسي بين الدولة و المعارضة و الاختلاف على مستوى تسيير الشأن المحلي ارتبط ببحث الدولة عن الشرعية السياسية في البعد الاجتماعي ( استفادة الفلاحين من تجميع أراضيهم) لكنه أغفل في المقابل – باعتباره قانونا عاما- الاختلافات الجغرافية و الثقافية و اللغوية بين منطقة و أخرى أي أنه لم يراعي الخصوصيات. فرغم ايجابية المجانية لهذا القانون و السهولة في منح الشواهد الإدارية ، إلا أنه قانون غارق في بحر من السلبيات؛ هذه السلبيات حاول الأستاذ أحمد التطرق إليها من خلال ربطه بقانون آخر يشكل الوجه الخفي له، يتعلق الأمر بقانون تحديد الملك الغابوي الذي تقوده مندوبية المياه و الغابات وأكد أنه لا يمكن الفصل بين التحفيظ الجماعي وتحديد الملك الغابوي، وما يؤكد هذا المعطى هو الاتفاقية الثنائية الموقعة بين إدارة المياه و الغابات و المحافظة العقارية، بعضا من بنود هذه الاتفاقية تحمل الكثير من التدليس وتأويل النصوص القانونية وفق هواها في حين اعتبر أن الجهة الوحيدة المخول لها دستوريا تفسير وتأويل النصوص القانونية هي المحكمة الدستورية أي القضاء؛ وتساءل في هذا الصدد كيف يمكن أن تكون المحافظة العقارية – في حالة تقديم تعرضات على التحديد الغابوي- خصما وحكما في نفس الوقت؟
تجربة التحفيظ الجماعي في قبيلة أيت إيحيا بجماعة تنالت كان لها حضور في مداخلة الأستاذ أحمد يحيا، هذه التجربة التي طالب فيها الأهالي تأجيل التحفيظ لثلاث سنوات حتى تحل جميع الاشكالات (الارث، الهجرة، شهود الزور،سماسرة العقار......). ووقوفا حول كنه قانون التحفيظ الجماعي، فإن هذا الأخير يقتضي حضور إدارة المياه و الغابات في كل عملية تحفيظ جماعية مما يعني الاقرار ضمنيا بالأملاك الغابوية.
وجوابا على أسئلة الحضور التي تجاوزت 32 تدخلا و التي تناولت بعض التجارب و الحالات المعاشة، أكد الأستاذان الخضر أوفاجة و أحمد يحيا في جوابهما على الجانب القانوني وما يمكن للمجتمع المدني أن يقوم به للترافع حول ملف الأرض؛ في هذا السياق أورد الأستاذ أحمد يحيا بعض نماذج التعرضات على التحديد الغابوي التي ترافع عليها المجتمع المدني ولم تتمكن إدارة المياه و الغابات منذ سنة 1998 من استصدار الأحكام النهائية بفضل تلك التعرضات. وهو ما حدا به إلى مطالبة الجمعيات الحاضرة إلى العمل على توفير مصاريف تخول لها توكيل محام للترافع أمام القضاء ملفتا انتباه الحاضرين أن إدارة المياه و الغابات تتوجس من التعرضات التي تقوم بها الساكنة وردهات المحاكم. وحول سؤال مدى ملاءمة قانون التحفيظ الجماعي مع تطلعات الساكنة أكد المتدخلان أن التحفيظ الجماعي كقانون يهدف إلى تحفيظ الأملاك ذات البعد الفردي في مدة زمنية محددة في سنة واحدة ويمكن إضافة ستة شهور، هو مكسب مهم للساكنة لكن اقترانه بشكل ضمني بالتحديد الغابوي يجعل عيوبه أكبر من إيجابياته.
خلال هذا اللقاء تمت الإشارة إلى تقرير المقررة الأممية الخاصة بالأشكال المعاصرة للتمييز العنصري واللاتسامح و الكراهية السيدة تانداي أشومي الصادر في شهر يوليوز 2019 وبالخصوص الفقرة المتعلقة بالتنمية السوسيوقتصادي السكان الأصليين بالمغرب. ------------------------
أنجز التقرير الاستاذ عبد السلام شكري، رئيس فرع اشتوكة ايت بها لجمعية جبال العالم ..
المصدر صفحة
الأستاذ أحمد يحيا